في سماء الضمير الوطني، حيث تتلألأ القيم وتتعانق الأخلاق مع التاريخ، تبرز شخصية السيدة الأولى مريم منت الداه كواحدة من العلامات المضيئة التي جمعت بين صدق المواطنة ورصانة الموقف، وبين دفء الأمومة وقوة الحضور الوطني. ليست مجرد سيدة القصر، بل هي ضمير حيّ يسكن نبض المجتمع، ووجه إنساني ناصع يعكس صورة المرأة الموريتانية حين تصعد إلى مدارج العطاء.
لقد آمنت مريم منت الداه أن الوطن لا يُبنى إلا بيد شبابه، ولا يزدهر إلا بعقول أبنائه؛ فكانت حيثما نادى التفوق حاضرة، تزرع الثقة في قلوب المتفوقين في الامتحانات الوطنية، وتغمرهم ببسمتها وحنانها، لتجعل من النجاح جسراً نحو مستقبل أكثر إشراقاً. إنها تدرك أن تكريم المجتهد ليس مجرد لحظة بروتوكولية، بل هو رسالة وطنية تبعث في الأجيال روح الجدّ، وتوقظ فيهم نزعة الريادة.
ولم يقتصر عطاؤها على تكريم النخبة من الطلاب، بل امتد ليعانق أولئك الصغار الذين يحتاجون رعاية استثنائية؛ أطفال التوحد الذين رأت في أعينهم ضوءاً يستحق أن يُصان، وفي قلوبهم براءة تستحق أن تُحاط بالعطف والاهتمام. فكانت صوتهم الذي لم يُسمع، ويدهم التي امتدت بالرحمة، وسندهم الذي لم يتخلّ عنهم.
ومثلما انشغلت بالعلم والتربية، فتحت قلبها أيضاً لمبادرات اجتماعية وخيرية، تعضّد جهود الدولة، وتُضفي على العمل الرسمي لمسة إنسانية تجعل الناس يشعرون بأن الدولة ليست جهازاً صامتاً، بل حضناً واسعاً يلمّ شتات أبنائه.
إن المتتبع لمسيرة السيدة الأولى مريم منت الداه يدرك أنها أعادت الاعتبار لصورة "سيدة القصر" في الخيال الجمتعي الموريتاني: لم تحصر نفسها في الظلال ولا وقفت عند حدود الظهور البروتوكولي، بل غدت جزءاً من النسيج الحيّ، تُشجّع وتُبادر، تُلهم وتُعين، حتى غدت رمزاً للمرأة التي جعلت من منصبها جسراً للعطاء لا منصة للتعالي.
بقلم : محمد يحي المصطف