إلى الحكومة الأمريكية،
اسمي حبيبة أوكونيل. وُلدتُ ونشأتُ في الولايات المتحدة، لكنني أكتب إليكم اليوم بصفتي امرأة اختارت موريتانيا وطنًا لها — لا عن صدفة، بل عن قناعة. اخترت هذا البلد لما يحمله من قيم، وعمق، وصدق، وإحساس راسخ بالعدالة. أنا موريتانية بالاختيار، وبكل فخر.
موريتانيا بلد يتميّز بوضوحه الأخلاقي، وبإنسانيته العميقة — أمة بسيطة في عيشها، ولكنها عظيمة في مواقفها. هنا، يعيش الناس بتواضع، ويتحدثون بصدق، ويشعرون بآلام الآخرين وكأنها آلامهم.
الموريتانيون وقفوا دائمًا إلى جانب المظلومين، وعلاقتهم بفلسطين علاقة وجدانية عميقة، تتجاوز السياسة لتلامس الضمير. هذا هو نفس الموقف الذي جعل موريتانيا تُندد بالفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وتُخلد ذلك بإطلاق اسم نيلسون مانديلا على أحد أكبر شوارع العاصمة. وغنت المرحومة ديمي منت آبا، أيقونة الفن الموريتاني، من قلبها: “يا رب لابرتايد”، في أغنية خالدة لا تزال حية في الذاكرة الجماعية.
يؤلمني أن أرى بلدي الأم يشارك في الأزمة الإنسانية في فلسطين، بدلًا من الوقوف إلى جانب شعبها. لطالما نُظِر إلى الولايات المتحدة على أنها منارة للحرية ومدافعة عن حقوق الإنسان. أما اليوم، فإن صمتها — أو دعمها — في وجه هذا الظلم الهائل مؤلم للغاية.
قبل يومين، وفي إطار يوم عالمي للإضراب والاحتجاج، خرج آلاف الموريتانيين في مظاهرة سلمية أمام السفارة الأمريكية في نواكشوط. حملوا في قلوبهم الحزن، وفي أصواتهم الكرامة، ووقفوا من أجل فلسطين — لا باسم السياسة، بل باسم الإنسانية. مواقفهم هذه زادتني فخرًا بانتمائي لهذا الوطن الشريف.
ما يحدث في غزة جريمة ضد الإنسانية. أطفال يُدفنون تحت الركام. عائلات تُمحى من الوجود. وشعب يُمحى من الذاكرة بينما العالم يتفرج.
الصمت في وجه هذا الظلم ليس خيارًا. أطالب — كمواطنة أمريكية، وكإنسانة — أن تتخذ الحكومة الأمريكية موقفًا أخلاقيًا وشجاعًا. أطالبها أن تستخدم صوتها، وقوّتها، ومكانتها في العالم لوقف هذا الألم، والدفاع عن القيم التي جعلت من أمريكا يومًا رمزًا للحرية والكرامة.
أقول هذا وأنا مفعمة بالأمل — أن تستمع أمريكا ليس فقط لحلفائها في السلطة، بل أيضًا لحلفائها في الضمير. أن تسمع أصوات الشعوب التي ترتفع من الشوارع، ومن البيوت، ومن القلوب في كل مكان.
نحن نتابع. ونحن نصلي أن تسود العدالة.
بإخلاص،
حبيبة أوكونيل
نواكشوط، موريتانيا