تشهد الساحة الموريتانية هذه الأيام جدلًا متصاعدًا بعد صدور نتائج تفتيش محكمة الحسابات، والتي كشفت عن تجاوزات جسيمة وخروقات قانونية ومالية في عدد من القطاعات الحكومية. وقد أثار التقرير موجة غضب شعبية عارمة، وسط مطالبات بمحاسبة المسؤولين عن تبديد المال العام، وإفلاس بعض المشاريع التنموية.
وتأتي هذه النتائج في ظرفية سياسية دقيقة، حيث يرى مراقبون أن توقيت صدورها يُحسب للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ويعكس بجدية التزامه بخيار محاربة الفساد وترسيخ مبدأ الشفافية في تسيير الشأن العام. كما يعتبر البعض أن معاقبة المتورطين في الفساد قد تعيد التوازن إلى المشهد السياسي، وتزيل الشكوك حول أن محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ذات طابع انتقائي أو شخصي.
ورغم الترحيب الشعبي بالإجراءات المتخذة، أبدى بعض المراقبين تخوفهم من أن تؤدي ملاحقة الحكام السابقين إلى خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي، خاصة في ظل ضعف المعارضة التقليدية وظهور بدائل سياسية تفتقر للخبرة، تسعى إلى ملء فراغ خلفته وجوه سياسية أنهكها الحكم السابق.
وفي الوقت الذي يُشيد فيه الكثيرون بنهج الرئيس غزواني، خاصة في ما يتعلق بضبط الأمن ومراعاة الطبقات الفقيرة، إلا أن التحدي الأكبر لا يزال يتمثل في إيجاد توافق سياسي داخلي، في ظل معارضة مترهلة وقوى جديدة تتعامل مع المشهد بعقلية المواجهة لا الشراكة.
ويبقى المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات، في انتظار إصلاحات جذرية تُخرج البلاد من حالة الترقب، وتُجنبها منزلقات قد تعصف باستقرارها السياسي والاقتصادي.