الرؤساء الموريتانيون في الميزان: جدلية الحكم، الهوية، والاستقرار

1. ذ المختار ولد داداه (1960–1978):*  
أول رئيس لموريتانيا بعد الاستقلال، قاد البلاد في مرحلة التأسيس. واجه تحديًا أيديولوجيًا حادًا تمثل في حركة الكادحين ذات التوجه الماركسي، والتي لم تُخفِ عداءها العلنى للهوية العربية للدولة وتضامنها الصريح مع  المطالب الانفصالية  للأقليات ذات الأصول  الافريقية . استطاع في النهاية احتواء بعض رموز هذا التيار ضمن الحزب الحاكم   حزب الشعب . غير أن دخوله حرب الصحراء الغربية عام 1975 بعد اتفاقية مدريد، أضعف نظامه وقاد إلى إطاحته من طرف الجيش في 1978.

2. *العقيد مصطفى ولد محمد السالك (1978–1979):*  
قاد البلاد في ظرفية شديدة التعقيد، وتمكن من إيقاف الحرب تدريجيًا وسعى لاقامة نظام ديمقراطي تعددي ، لكن ضغوطًا داخل اللجنة العسكرية أدت إلى تنحيه بعد أشهر قليلة.

3.  العقيد *محمد محمود ولد أحمد لولي (1979–1980):*  
رئاسته القصيرة كانت استمرارًا للتجاذب داخل السلطة العسكرية، دون تحولات بارزة على المستوى الوطني.

4. *  العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع (1984-2005):
5. حكم البلاد 21 سنة، وأعاد خلالها للهوية العربية مكانتها  كرد فعل على  المحاولة الانقلابية الفاشلة سنة 1987، التي قادها ضباط زنوج وسُوّقت من قبل الإعلام السنغالي  كحركة تحررية. واجه أزمة دموية مع السنغال سنة 1989، بدعم عسكري  من العراق في عهد صدام حسين وسط صمت عربي ملحوظ. أطلق مسار الديمقراطية بدستور 1991، رغم اتهامات مفبركة  بالمحسوبية والفساد. أُطيح به بانقلاب قادته أجهزته الأمنية والعسكرية

5. *محمد ولد الشيخ الغزواني (2019–حتى الآن):*  
جاء إلى السلطة في أجواء سلمية، عن طريق صناديق الاقتراع  يتميز عهده بالهدوء والاستقرار فى محيط إقليمي مضطرب  والانفتاح السياسي. أعاد الاعتبار للخطاب الوطني المتوازن، وشهدت البلاد فى عهده  تحسنًا ملموسا في مؤشرات التنمية. ويرى بعض المراقبين أن إعادة انتخابه لمأمورية ثالثة (إذا ما تقررت) ستكون بمثابة سدّ أمام الانفجار، وتحصين للبلاد من منزلقات حرب أهلية تهددها شبكة من الأزمات الإثنية والاقتصادية. و امواج الهجرات الاستيطانية غير الشرعية

---

*خاتمة :*=

رغم اختلاف الخلفيات السياسية للرؤساء الذين تعاقبوا على سدة  الحكم في موريتانيا، فإنهم جميعًا اشتركوا في العجز عن حسم سؤال الهوية الوطنية بشكل واضح ودستوري جامع. ويعود هذا الإشكال إلى ظروف نشأة الدولة الحديثة في موريتانيا، التي قامت على أنقاض الاحتلال الفرنسي، خارج أي امتداد طبيعي لتاريخ المقاومة الوطنية، التي أقصيت من الحكم خلافًا لما حصل في باقي دول المغرب العربي. المغرب  الجزائر  تونس

وقد أدى غياب التعريب الحقيقي للإدارة إلى فراغ أيديولوجي استغلته مبكرًا الحركات ذات المرجعية الزنجية، وعلى رأسها حركة الكادحين، التي نشأت برعاية فكرية وسياسية من فرنسا والمحيط الإقليمي الافريقي  المجاور، وسعت إلى تفكيك الهوية العربية للدولة. عن طريق الانظمة المتحالفة معها  تصفية التيارات العروبة ورغم أن نظام الرئيس المختار ولد داداه لم يتماهَ مع هذه الحركة، فقد تغلغلت لاحقًا داخل الأنظمة العسكرية، وحكمت من الباطن، وتمكنت من التأثير في مفاصل القرار حتى اليوم.

هذا الواقع يُحتّم على الدولة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، *إعادة التوازن* للهوية الوطنية، بهدوء، ووفق رؤية استراتيجية،  تقصى جميع  التيارات الاديولوجية  تحصّينا اللحمة الاجتماعية من التفكك ،  وتعترف بالعربية هويةً جامعةً، دون إقصاء للمكونات الأخرى، ولكن أيضًا دون ترك الفراغ مفتوحًا أمام من يسعى لنسف الثوابت الدينية والعربية  باسم التعددية.
 

بقلم ذ السالك ولد اباه المحامى