قبلَ شيوعِ عُروضِ أجهزةِ الرَّائي(التلفزيون)، السِّينما ودور عُروض الأزياء، الّتي وَضَعَتْ مَقاييساً جَديدةً في جمالِ المرأةِ -كأن تكونَ المرأةُ نحيفةً ورشيقةً- كان العرب قديمًا يعشقونَ ويتغنّونَ بالمرأة المُمتلئةِ أو السَّمينةِ، ويكتبونَ فيها الشِّعر.
فمنذُ القِدَم تميّزتْ نِساءُ العربِ عن النّساء الأُخرياتِ باكتنازِ أجسادهنَّ وامتلائِها، وخصوبتهنَّ العاليةِ وجَمالِ عُيونهنَّ العربيّةِ الأصيلةِ.
حتّى قيلَ قديماً :
“السُّمْنُ نِصفُ الحُسْنِ، وهو يسترُ كُلَّ عَيبٍ في المرأةِ وُيبدي مَحاسنها”.
ويقولُ العربُ "الجميلةُ هي السَّمينة"، من الجميلِ وهو الشّحمُ المذابُ، كما جاءَ في معجمِ لسانِ العربِ.
يقول ابن منظورٍ في لسان العرب " جمل الشيء: جمعه، والجميل : الشّحم يُذاب ثم يجمل: أي يُجمع".
فكان العرب يُحبّون الملامح الأصيلة، الأنف الدّقيق، والعيون الواسعة الكحيلة، والعنق الصّافي الطّويل، والجسم الممتلئ مع الشّعر الأسود الطّويل، والبشرة البيضاء الصّافية، ويُماثلهم الهنود والفرس، وإن كانوا يميلون للرّشاقة.
وكان من مواصفات الجمال ألا يُحَسُّ ولا يُرى من المرأة عِرقٌ ولا عَظمٌ.
و يقول هشام ابن عبد الملك عن جاريته ميمونة, وكانت بدينة ً: "لو أنّ رَجُلاً ابتلع ميمونة ما اعترض في حلقه منها شيءٌ للينها".
وما يزال المقياس العربي القديم موجودًا إلى اليوم، في العديد من مناطق العالم، مثل موريتانيا، حيث لا يزال حجم المرأة دليلًا على جمالها ومكانتها الإجتماعية.
وبِقَدر ما تكون المرأة بدينةً يكون حظّها بزيجةٍ مناسبةٍ أفضل، لذلك، تقوم الأمّهات بـ”تسمين” بناتهن منذ الصغر، لأنّ السُّمنة تصنع لها مستقبلًا أفضل، وذلك برغم المخاطر الصّحية النّاتجة عن زيادة الوزن. ولا يعتبر الموريتانيون المرأة النّحيفة جميلةً، حتّى لو كان وجهها جميلًا.
تلك العادة الموجودة في موريتانيا اليوم، وخُصوصًا في الأرياف، كانت موجودةً لدى العرب القدماء الّذين عشقوا المرأة صاحبة المقاييس الضّخمة، وكانوا يُطلقون عليها “خَدَلَّجَة”، أي المُمتلئة الذّراعين والسّاقين.
وهناك أيضاً “البرمادة”، وهي المرأة التي ترتجُّ من سمنتها.
والبدانة من أهمّ مقاييس الجمال العربي؛ فقد كانت المرأة “العبلاء” هي المرأة الجميلة في نظر العربي، والعبلاء هي من كان أعلاها خفيفًا وأسفلها كثيباً (ضخمًا)، أمّا "العصلاء" فربّما تمكث في بيت أبيها بلا زواجٍ.
وكانوا يتعوَّذون بالله من المرأة النّحيفة الزّلاء “خفيفة الشَّحم”، ويقولون عنها : “أعوذ بالله من زلّاء ضاوية، كأنّ ثوبيها علقًا على عود”، أي كان ثوبها معلّقًا على عودٍ رفيعٍ.
كما ويصف العرب المرأة البدينة بـ”خرساء الأساور”، لأنّ البدانة تمتدُّ إلى الرُّسغ فتمنع ارتطام الأساور ببعضها، فتصبح خرساء.
وجمال المرأة البدينة لدى العرب امتدّ إلى الجانب الثقافي، فقد تغزلوا بضخامتها، وها هو الشّاعر المتوكّل الّليثي يمدح إمراتهُ البدينةَ قائلًا :
إذا تَمْشي تأوَّدَ جَانِباها وكادَ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ انْخِزالا
تَنُوءُ بِها رَوادِفُهَا إذا ما وِشَاحُها عَلى المَتْنِ جَالا
في ذلك فإنّ شعراء الجاهلية كانوا يُحبّون المرأة البدينة الضّامرة الخصر.
وأغلب الغزل الشّعري الجاهلي كان يتمُّ عن طريق مغازلة النّساء "الخَدَلَّجات".
يقول الشّاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلّقته وهو يصف معشوقته :
ومَأْكَمَةً يَضيقُ البابُ عَنْها وَكَشْحاً قد جُنِنْتُ به جنونا
يقول أنّ فتحة الباب ضيّقةٌ على حبيبته من شدّة سمنتها، وهي صفةٌ جماليّةٌ بالنّسبة لهُ.
ويقول الأعشى في معلّقته :
غرّاءُ فرعاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها
تَمْشِي الهُوَيْنا كَما يَمْشِي الوَجْي الوَحْلِ
يَقول الأَعشى أنّ محبوبتهُ تمشي بتثاقلٍ وبُطءٍ بسبب سُمنتها المُفرطة كما يمشي الإنسان في الوحلِ بِثِقَلٍ وصُعوبةٍ خوفاً من الغوصِ في الوحلِ.
طبعاً كان هذا هو الشّائع في العصر الجاهلي وعند العرب قديماً بشكلٍ عامٍّ وحتّى بعد الإسلام, فقد قال التّابعي وقاضي الكوفة ابن شبرمة : " ما رأيتُ لباساً على رجلٍ أحسن من فصاحةٍ، ولا على امرأةٍ من شحمٍ".
وقد قِيل أيضاً:
السُّمْنُ نِصف الحُسْنِ، وهو يستر كًلَّ عيبٍ في المرأة ويُبدي محاسنها.
وقالت أعرابيةٌ لإبنتها : تجمّلي وتعفّفي، وكُلي الجميل وهو الشَّحم المُذاب، أي ضعيه في طعامك إداماً وكُلي، وتعفّفي أي اشربي العفافة وهو باقي الّلبن في الضَّرع.
كما وصف الشّاعر العربي القديم أعشى همذان امرأةً ممتلئةً:
ثَقُلَتْ روادفها ومال بخصرها كفلٌ كما مال النّقا المتقصّف
يقول النابغة الذبياني:
والبطنُ ذو عُكنٍ لطيف طيّه والنحر تنفجه بثدي مقعد
(العكن: ما انطوى وتثنّى من لحم البطن سمناً، النفج: الفخر والكبرياء)
ويقول في وصف ثغر الحبيبة :
كالأقحوان غداة غبّ سمائه جفّت أعاليه وأسفله ندي.
مخطوطة المتنين غير مفاضة ريّا الروادف، بضة المتجرّد.
(مخطوطة المتنين: الظهر ما يكتنف الصلب عن يمينٍ وشمالٍ من لحمٍ وعصبٍ، الروادف: الأعجاز أسفل الظهر، المتجرد: من قصر شعره والمتقدم على غيره).
أما عنترة بن شداد فقال:
وبطنٌ كبطن السابريّة ليّنٌ أقبٌّ لطيفٌ ضامرُ الكشح مدمج
(السّابرية: الهيئة الحسنة، أقب: أدق، ما دق وضَمر، الكشح: ما بين الخاصرة والضلوع).
ويقول عمر بن أبي ربيعة متغزلاً:
إذا ما دعت أترابها فاكتنفنها
تمايلن أو مالت بهن المآكم
وللمتنبي رأيٌ في المرأة السمينة إذ قال في قصيدته إلى “كافور” مصر:
ما أوجه الحَضَر المستحسنات به كأوجه البدويات الرّعابيب
ويتّفق العكبري والواحدي، وهما من شرّاح شعره، على شرح "الرعابيب" بأنها جمعٌ لكلمة "رعبوبة" وتعني "المرأة الممتلئة البيضاء" كما يُحدّد العكبري، وتعني "المرأة السّمينة" بشرح الواحدي.
وإذا كان المُتنبّي بدأ بتفضيل المرأة "المُمتلئة البيضاء" أو "السّمينة" فإنّه يُواصل شرح أسباب هذا التّفضيل بقوله مباشرةً: "حُسنُ الحضارة مجلوبٌ بتطريةٍ وفي البداوة حسنٌ غير مجلوبِ". والقصد من "التّطرية" هي معالجات البشرة بمختلف أنواعها وأزمانها والّتي تُوضَع لإِحداث فارقٍ في الّلون والأثر، وهي جزءٌ من "المكياج".
وبهذا يُصبِح الحُسْن غير المجلوب، أي غير الخاضع للمعالجات، هو تتمّة مواصفات المرأة الّتي يراها المُتنبّي أجمل من سواها.
أمّا في وقتنا الحاضر فإنّ العرب يُفضِّلون ليس فقط النحيفة، ولكن السّمينة أيضاً، الطّويلة والقصيرة، السّمراء والبيضاء والشّقراء والحمراء والصّفراء، صاحبة العيون النّجلاء والعيون الصّغيرة السّوداء منها والملوّنة، من تضع الألوان "المكياج" على وجهها ومن لم تضع، من تعلّمتْ في الجامعة أم لم تفعل ذلك.....
منقول