كلمة فى حق الزعيم احمدو ولد حرمه/ المفكر محمد الامين أباه

الزعيم أحمدو ولد حرمة

تعجب الوجهاء من هذا الفتى العلوي الذي لايقيم وزنا للفرنسيين، والذي ألغى الكثير من الإجراءات الاستعمارية المجحفة بالسكان مثل العمل القسري كما أنه ألغى ضريبة الشخص التي كان يتعين على كل شخص بذاته دفعها وكذلك الضيافة الإجبارية للجنود الفرنسيين “اتفرصي” والتسخير بكل أشكاله، كما أبعد كافة الحكام الفرنسيين الذين عرفوا بسوء معاملة المواطنين.
ذلك الفتى المهيب الذي حين يأتي في سيارة كان يركب في المقدمة ويركب الوالي الفرنسي في الخلف وكان الوالي لايستطيع أن يركب قبله ولا أن ينزل قبله وكان يخفض الصوت في حضرته.
غبطه الشيوخ والأمراء و أوجسوا منه خيفة فتحالفوا مع الإدارة الفرنسية ضده في مؤتمر كيفة.
ولد الزعيم أحمدو ولد حرمه ولد ببانا  سنة 1912 عند المليحة بأرض العقل وحفظ القرآن ودرس متون الشريعة والعربية ثم ولج المدرسة العصرية سنة 1925 وتابع دراسته بمدرسة أبناء الأعيان في بتلميت
وفي سنة 1934 عمل معلما للغة الفرنسية بنفس المدرسة التي تابع فيها دراسته (مدرسة بتلميت)، ثم
تحول إلى مهنة أخرى كانت سلطات الاستعمار بحاجة ماسة إلى أصحابها وهي مهنة الترجمة، عمل في امبود ونواكشوط وأطار وبير أم اكرين وأكجوجت ونواذيبو…
وخلف في كل هذه المناطق سمعة طيبة بفضل حميته للمواطن وحرصه على مصلحته في وجه الإدارة الاستعمارية.
وخلال السنوات العشر التي قضاها مترجما انحصرت خلافاته مع رجال الإدارة الاستعمارية في التصرفات التي كانوا يقومون بها ضد السكان.
بدأ أحمد و فور اطلاعه على مقتضيات دستور الجمهورية الرابعة (أكتوبر 1946) حملته الانتخابية، بعد أن رشح نفسه كاشتراكي في نطاق الفرع الفرنسي للدولية العمالية (S.F.I.O) الحزب الإشتراكي الفرنسي حاليا وقد حصل على دعم الاشتراكيين السنغاليين (ليوبولد سنغور ولمين كي) وكل الساخطين على المستعمر وسياساته الذين وجدوا فيه منقذا يخلصهم من نير الاستعمار ، كما أن السمعة الطيبة التي اكتسبها في مختلف المناطق التي عمل بها رجحت الكفة لصالحه.
وفاز أحمدو في الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من نوفمبر 1946 على منافسه الرئيسي ايفون رازاك بأغلبية 63% من الأصوات المعبر عنها، وبعد فوزه بدأ تنفيذ التزاماته الانتخابية التي تضمنها تعهده لناخبيه بالمحافظة على الأصالة والسعي إلى التطوير والرقي والتجاوب مع طموحات الشعب.
وكانت له مواقف مشهودة في البرلمان الفرنسي إذ عارض تقسيم فلسطين وطالب فرنسا بوقف مساعداتها للكيان الصهيوني، بل وهددها بأنها إذا لم تتخل عن مساعدة الصهاينة بأنه سيعود إلى موريتانيا ويعلن منها الجهاد في سبيل الله، وكان لهذا التدخل وقع كبير في البرلمان الفرنسي حيث منحته صحيفة “لموند” الباريسية في عددها الموالي اهتماما كبيرا.
وقد استقال من الفرع الفرنسي للدولية العمالية احتجاجا على الاعتراف بإسرائيل كما دافع من داخل قبة البرلمان الفرنسي عن قضايا التحرير في المغرب العربي وفي إفريقيا.
وتتويجا لنضاله في هذا المجال قامت فرنسا بإلغاء إرسال ثلاثة سفن من المساعدات العسكرية والمدنية لإسرائيل نتيجة ضغوط قام بها النائب أحمدو في البرلمان.
أغاظ فرنسا وغبطه الشيوخ التقليديون فتآمر عليه الجميع ليبعدوه.
تعرض أحمدو حرمه بابانا العلوي لمحاولة إغتيال بحقنة سامة في أحد مستشفيات سان لوي (السنغال) ، كادت أن تنهي حياته لولا يقظة مرافقيه الذين انتزعوها قبل انتهائها و أحضروه إلى طبيب آخر قدم له المصل المضاد، أما المحاولة الثانية فكانت في باريس حين أطلعته جهة إستخباراتية عربية (من دول الشرق الأوسط) على مخطط مبيت لاغتياله وأكد له هذا الخبر عدد من أصدقائه الفرنسيين ، ليقوم ميشيل فرعون (دبلوماسي في السفارة اللبنانية في باريس) بتهريبه متخفيا إلى سويسرا في القطار ، في حين أخبر الفرنسيين أنه تلقى هاتفا مهما من الوطن و أنه سيعود فورا إلى السنغال في أول طائرة .
في سويسرا وجد في استقباله عنصرين من الاستعلامات المصرية، هما محمد فائق وفتح الديب، ذهبا به إلى السفارة المصرية حيث استقبله الأستاذ عصمت عبد المجيد و كان وقتها مستشارا أول بالسفارة.
من سويسرا ارتحل إلى القاهرة حيث استقبله و رحب به جمال عبد الناصر و منحه حق اللجوء السياسي و وصفه بالبطل القومي .
و افتتح مكتب لتحرير موريتانيا بالقاهرة في مصر ، التقى كل الفاعلين السياسيين و رجال الدين و تلقى وعدا من عبد الناصر بالدعم المادي و المعنوي لمقاومة الاستعمار.
كان للزعيم أحمدو دور كبير في إنشاء رابطة العالم الإسلامي، وكان عضوا مؤسسا بها، وسفيرا متجولا، وكان لقوته الدبلوماسية الناعمة، دور كبير في الدعوة الى الإسلام فدحل على يدية كثيرون الإسلام من أبرزهم الرئيس الغابوني الحاج عمر بونغو.
بعد حياة حافلة توفي السيد أحمدو ولد حرمه يوم السبت 12 شعبان 1399هـ الموافق 7 يوليو 1979 ودفن في مقبرة تمبيعلي حيث يوجد آباؤه وأجداده رحم الله الجميع رحمة واسعة.
إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ · قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ
لما توفي الزعيم أحمدو خلف وراءه بنين كراما أعزة، منهم ولد البكر محمد وكان سيدا كريما ماجدا زاهدا، لم يلهه زخرف الدنيا ولا بهرجتها فعاش قانتا منفقا، عمل رحمه الله في منظمة المؤتمر الإسلامي، عرف الناس فضله وحمدوا سيرته.
وكان لابنته الفاضلة مريم دور كبير في خدمة حجاج بيت الله الحرام وضيوف الرحمن، فكان بيتها العامر في مكة -وهو ذات البيت الذي كان يسكنه والدها الزعيم أحمدو-، كان موئلا للحجاج والمعتمرين من كل حدب وصوب، فكانت تحسن ضيافتهم وتكرم وفادتهم جزاها  الله خيرا.
وقد تسلم راية السيادة والسؤدد من بعد الزعيم كذلك، نجله الدكتور الشيخ المختار فما اختل شيء مما كان عليه الزعيم، فسار على نهجه في السمت والعبادة والهدي، واتبع سيبله في السياسة من حيث الصدق والنبل والتضحية، والانحياز للحق وخدمة الأهداف السامية.، والبذل للضعفاء والرفق بهم، فكان يعالج المرضى ويتكفل بنفقاتهم لوجه الله لايريد منهم جزاء ولا شكورا.
وخلف من بعد الشيخ أبناؤه السادة الكرام، فقد سار على نهجه ابنه عالي، الذي أحيا مجد أبيه الشيخ وجده الزعيم، فأسس مشروعا كان حلما يراود والده وهو (مركز ببانا لعلاج الأمراض المستعصية) واسم (ببانا) أصل له جذور.
كما كان لزيارته لمنطقة لميلحه (النباغية)مسقط رأس جده ومنطقة تمبيعلى حيث يرقد جده الزعيم أحمدو بجانب والده وعلاقته الخاصة با الوالد السيد عبد الله ولد اباه.
لقد كان للزيارتين بالغ الأثر على الساكنة، كما كان لهما دور عميق في إحياء العهود وربط أواصر القربى.
رحم الله السلف وبارك في الخلف.

وتجدر الإشارة إلى أن العيد الوطني للاستقلال لا يمكن أن يمر دون استحضار أحد الزعماء الوطنيين الذين بصموا تاريخ البلاد وأسهموا في ترسيخ صورتها المشرفة ومواقفها النبيلة.