الفساد ...اسبابه وسبل مكافحته فى موريتانيا /الجزء الثالث

تعتبر الرشوة من أسوء أشكال الفساد الإداري فهي 
داء خبيث انتشر في مجتمعنا فقضى على مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون فالذي يملك ان يدفع يمكنه الحصول على ما لا يستحقه، مما يؤدي في نھاية المطاف إلى اختفاء فكرة القانون في المجتمع الذي نخرته الرشوة وهددت أركانه  بعد أن تغيبت فيه فكرة العدالة، كقيمة من القيم السامية التي لا يؤكدھا غير مبدأ مساواة الجميع امام القانون، حيث عصفت بالثقة التي ينبغي أن تجمع المواطن بدولته و بمرافقھا.
بالرشوة تقتل الضمائر و تخل بسير الأداة الحكومية و غير الحكومية و بالمساواة بين المواطنين وفي عمومھا تضر بالمصلحة العامة

الرشوة تثير  الإضطرابات في العلاقات الإنسانية و تحدث اھدارا للقيم والعادات السائدة، و تشكل تھديدا لسلطة الدولة و القانون، باعتبارها من أخطر الآفاة التي تصيب الدولة.
جريمة الرشوة تبدو واضحة في مجتمعنا، و مؤسسات الدولة و خاصة تلك التي تتعامل بصورة مباشرة وداءمة مع الجمھور
وقد اتخذت ھذه الجريمة مسميات مختلفة، ورغم العقوبات المقررة لھا سواء في الشريعة الإسلامية او في مدونات العقوبات المختلفة، فقد أضحى القطاع الخاص وقطاع الأعمال والمقاولات، الارض الخصبة و المجال الرحب لھذا المرض اللعين.
حتى ان تأثيرها كان فى خدمة الارادة السياسية لبعض الاحزاب وبطريقة لايمكن للقانون ان يحاسب عليها   

البعض من الناس في مجتمعنا ابتعدوا عن ربھم وظنوا لجھلھم أنھم في الحياة مخلدون وأنھم إلى ربھم لا يرجعون لذا التصقوا بالأرض و مادتھا، وركنوا اليھا و أصبحوا ماديين، يعبدون المادة و يؤلھونھا، فماتت أرواحهم و سمنت أجسادهم، و اقبلو  على تغذيتھا بالسحت و الرشوة و اكل الحرام بكل اللوانه وصوره، حتى غدا العالم يضج من الفساد المترتب على أخذ الرشوة بطرق ملتوية.
لا يكاد مرفقا و لا وزارة، إلا و قد أستشرت فيھا الرشوة فلا تجيز معاملة و لاتنھي، إلا و صحبتھا الرشوة.
ونظرا لخطورة ھذا الفعل فقد توالت التشريعات التي عاقبت على ھذا الفعل، و كان اھمھا قانون  (جونيا) و الذي عاقب الموظف المرتشي بغرامة مالية تتراوح بين مقدار ما أخذ و أربعة أمثاله. 
أما الشريعة الإسلامية فقد حرمتھا و جرمتھا و اعتبرتھا من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، حيث قال الله عز و جل: و لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها  إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون.
وقد شمل التحريم في الرشوة أركانها الثلاثة: الراشي و المرتشي و الراءش، و قد قال رسولنا صل الله عليه و سلم ( لعن الله الراشي والمرتشي والراءش بينھم )، و تعد الرشوة في الشريعة الإسلامية من جرائم  التعزير.
إن جريمة الرشوة كأية  جريمة اخرى، لا تعدو عن كونھا ظاهرة اجتماعية مرضية، و بالتالي فإن محاربتھا على الدولة والمجتمع لا يتحقق من خلال العقوبة وحدھا، فالعقوبة ما ھي إلا أداة من مجموعة أدوات أخرى ينبغي تفعيلها لمواجهة ھذه الجريمة و محاصرتھا و يتحقق ذالك من خلال:
- محاربة الرشوة مسؤولية الجميع ابتداء من الاسرة باعتبارها الخلية الأولى في المجتمع من خلال غرس الحس بالمسؤولية و القيم الأخلاقية و الدينية في نفوس الصغار، و انتھاء بدور الدولة من خلال تبنيها للانظمة الرقابية و المحاسبية الفعالة في اجھزتھا المختلفة.
- تحقيق الرقابة الفعالة على الموظفين من خلال إسناد مناصب الإدارة و القيادة إلى أشخاص يتمتعون بقدر كبير من المسؤولية ( مما لا اراه اليوم تحقق)، حتى يكونوا قدوة حسنة لمن ھو أدنى منھم درجة، و ان يمارسوا دورھم الرقابي بأمانة و مصداقية على مرؤوسيھم، و الرقابة لا تكون من المدير على موظفيه، بل ايضا من خلال أجهزة  للرقابة و التفتيش بشكل داءم و دوري لمراقبة تصرفات الموظفين.
- وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ( لم أرى ذالك تحقق) بما يكفل مبدأ تكافؤ الفرص و المساواة أمام جميع المواطنين، فالاختيار و التعيين للوظيفة يجب ان يكون على أسس موضوعية و على اساس الكفاءة و ليس على اساس الوساطة و المحسوبية و الرشوة.
- تحسين الظروف المعيشية للموظفين العموميين، و زيادة رواتبهم و تفعيل مبدأ الثواب و العقاب بشكل واضح في مجال الوظيفة العامة من خلال مساءلة و معاقبة من يثبت تقصيرھ،و اھمالھ من الموظفين، و بالمقابل مكافأة من يثبت كفاءته، و كذلك تطبيق مبدأ من أين لك ھذا.....؟؟؟ حتى يتم محاسبة كافة المرتشين و ضرورة تقديم إقرار الذمة المالية سنويا لجميع موظفي الدولة دون استثناء.
- تشكيل لجان خاصة في كل وزارة او ھياة تكون مھمتھا مراجعة الاجراءاتة المتبعة في سير المعاملات الخاصة بالمواطن، و وضع آليات أقل تعقيدا و صعوبة على المواطن، و الحرص على جعل ھذھ الاجراءات و التعليمات متوفرة في مكان بارز بصيغة واضحة و مفھومة لعموم الناس، لكي يستطيعوا السير على ھداھا، و بالتالي تضيع الفرصة على الموظف الفاسد من طلب أمور غير مطلوبة من المواطن.
- القيام بحملة إعلامية ضخمة تخاطب الجانب الديني و الإنساني للافراد لنشر و تنمية الوازع الديني لنبذ الرشوة و قباحتھا و التركيز على الآثار السلبية لھذھ الجريمة على الأفراد و المجتمع.
- تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن  اي جريمة رشوة او طلبھا و ذالك بتقديم مكافأة مالية أو معنوية للمبلغ.