شهدت موريتانيا مطلع تسعينات القرن الماضي بداية المسار الديمقراطي مع إقرار التعددية الحزبية والدستور الجديد لعام 1991، في خطوة قادها الرئيس آنذاك معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع لفتح المجال السياسي وكسب ثقة الشركاء الدوليين، إضافة إلى محاولة تهدئة التوترات العرقية التي كانت تهدد استقرار البلاد.
ورغم هذا التحول، واجه ولد الطايع صعوبات كبيرة في تنظيم التعددية وتشكيل الحزب الحاكم، ما دفعه إلى الاستعانة بالبنية القبلية التي كانت الأكثر قدرة على التنظيم في تلك المرحلة. هذا التوجه أسهم في رسم ملامح الحياة السياسية، كما ساهم في بروز منافسة جهوية بين الرئيس ولد الطايع وزعيم المعارضة أحمد ولد داداه، وانتهت بفوز الأول في أول انتخابات رئاسية تعددية عام 1992، وهي نتائج أثارت اعتراضات ساهمت لاحقاً في تقوية المعارضة.
تواصل حضور القبيلة في الحياة السياسية خلال المرحلة الانتقالية بقيادة الراحل أعلي ولد محمد فال، الذي سعى إلى تعزيز مفهوم الدولة دون إقصاء البعد القبلي، باعتباره أداة عملية في إدارة السياسة آنذاك. ومع وصول محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة، جرى تقديم الدولة على الولاءات القبلية، وإن ظلت هذه الأخيرة حاضرة بقوة في خلفية القرار السياسي.
أما في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فقد اتسم النهج بالحوار والانفتاح على مختلف المكونات، داخل الإطار القبلي وخارجه. غير أن التجربة أظهرت، في نهاية المطاف، أن القبلية ما تزال تشكّل عائقاً أمام ترسيخ دولة القانون، باعتبارها "سلطة داخل السلطة" تؤثر في مسار الديمقراطية الموريتانية رغم دورها السابق في تشكيل المشهد السياسي.
أصالة ميديا
