عصر الفوضى الرقمية وصنم المستقبل/ جمال اباه

 يعيش العالم في السنوات العشر الأخيرة نوعًا من أنواع التناقضات، وعلى أصحاب الرأي والمفكرين البحث فيها كظاهرة جديدة وخطيرة.
لم يعد للعقل مكان، وأصبح المنطق تائهًا في قبضة المجانين من أصحاب النفوذ المالي.
الربيع العربي، الذي اعتمد على "الفوضى الخلاقة"، ونجح في إسقاط أنظمة عبر جيوش افتراضية داخل وخارج أجهزة الحاسوب، كان نقطة انطلاق لمفاهيم جديدة، بدايتها كانت في جني المال بطرق "فنية" لا علاقة لها بدراسة العلوم أو الإبداع الحقيقي.
أكبر مثال على ذلك: ما يجنيه لاعب كرة القدم، وما يحصل عليه فنان جراء عمل تافه، أو "تيكتوكر" يروج لسخافة مضحكة، أو فتاة تسعى للخروج من محيطها أو حتى من جنسها.
الموجة ليست إقليمية فحسب، بل عالمية، وموجَّهة بإتقان ضمن أنظمة تسعى إلى توجيه العالم وضبطه على مقاس يخدم غاية ما.
لم يعد للقيم، ولا للمبادئ، ولا للأخلاق مكان. حتى الدكتاتورية، بمعناها التقليدي، لم تعد موجودة، بل هناك توجه نحو شيء ما ستعبر عنه الآلة أو الروبوت يومًا ما في "البيان رقم واحد".
قالها القذافي يوم الربيع المشؤوم بصريح العبارة: "من أنتم؟ وماذا تريدون؟ أنا أعرف ليبيا وزقاقها... لستم منا!"
العالم يتغير، لكن للأسف نحو الأسوأ، ويتحول إلى أرقام مشفّرة، وأحداث مصطنعة لا ماضٍ لها ولا حاضر، وكأن العالم يريد أن يصنع إلهًا لا يحكمه زمان، لا ماضٍ له ولا حاضر.
لكنهم، في الحقيقة، يصنعون صنمًا افتراضيًا سيجسّدونه يومًا ما، ويحكمون به العالم، في سبيل أن تنسى الأجيال القادمة دياناتها، وتبقى الكلمة الموحّدة داخل شفرة بايعناها من دون أن ندري.