تتزايد أعداد الشباب الموريتانيين الذين يغادرون وطنهم بحثًا عن "الحلم الأمريكي"، في موجة هجرة غير نظامية وصفتها السلطات الأمريكية بأنها من بين الأسرع نموًا على مستوى الجنسيات الإفريقية. هذه الظاهرة أصبحت تشكل مصدر قلق متزايد للسلطات المحلية والدولية، نظرًا لوتيرتها المتصاعدة وطبيعتها المعقدة.
فقد أظهرت بيانات رسمية صادرة عن السلطات الأمريكية أن أكثر من 15 ألف موريتاني تم توقيفهم على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 2023 و2025، بعدما خاضوا رحلات محفوفة بالمخاطر عبر عدة دول. تبدأ هذه الرحلات عادة من الأراضي الموريتانية، مرورًا بتركيا، ثم أمريكا الوسطى، ووصولًا إلى المكسيك، ومنها يحاولون العبور إلى الأراضي الأمريكية، غالبًا مشيًا على الأقدام أو بمساعدة شبكات التهريب المنظمة.
وتُقدّر كلفة هذه الرحلة الخطيرة والمليئة بالمصاعب والتحديات بمبالغ تتراوح بين 6,000 و9,000 دولار أمريكي، وهي مبالغ ضخمة في السياق الموريتاني، ما يدفع كثيرًا من العائلات إلى الاستدانة أو بيع ممتلكاتها لتمويل هجرة أحد أبنائها. ويعتمد عدد كبير من هؤلاء المهاجرين على تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل واتساب وتيك توك، التي تروج لمسارات الهجرة وتسوّقها على أنها "الطريق السهل إلى الحلم الأمريكي"، دون التطرق غالبًا إلى المعاناة الفعلية والصعوبات الحقيقية التي يعيشها المهاجرون خلال رحلتهم الطويلة والخطيرة.
في المقابل، تعاني السوق الموريتانية من نقص حاد في اليد العاملة الفنية رغم ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب. فبينما تحتاج قطاعات مثل الميكانيكا، والتسويق، والسياحة، وصناعة الأخشاب والألمنيوم إلى مهارات تقنية وحرفية، يُعرض معظم الشباب عن هذه المجالات، بحجة أنها لا تناسب مؤهلاتهم الأكاديمية أو طموحاتهم الاجتماعية، ويفضلون البحث عن فرص في الخارج حتى وإن كانت محفوفة بالمخاطر.
وقد دفعت هذه المفارقة الصارخة الدولة الموريتانية إلى إطلاق برامج تكوين مهني عبر وزارة التكوين المهني، بهدف إعداد وتأهيل الكوادر الوطنية القادرة على سد النقص في سوق العمل المحلي، وإحلال اليد العاملة الوطنية محل العمالة الأجنبية، التي تهيمن حاليًا على كثير من الوظائف التقنية والحرفية داخل البلاد.
من جهة أخرى، تكشف تقارير محلية عن نجاح بعض الموريتانيين الذين اختاروا البقاء والعمل في المجال التقني داخل البلاد، وتمكنوا من تحقيق استقرار مالي ومهني، بل والانتقال إلى مستويات أعلى من خلال إنشاء مشاريع صغيرة في مجالات مثل صيانة السيارات، وتقطيع الألمنيوم، واستيراد المواد الصناعية ومستلزمات البناء.
ورغم هذه النماذج الناجحة والمشجعة، يظل "الحلم الأمريكي" قوي الحضور في أذهان الكثير من الشباب، تغذيه قصص النجاح المتداولة، ومظاهر الرفاه التي تظهر على بعض العائدين من الولايات المتحدة، دون الالتفات إلى السنوات الصعبة التي قضوها في الغربة، والمخاطر التي كادوا أن يفقدوا فيها أمنهم أو حتى حياتهم.
وفي خضم هذه الموجة المتصاعدة من الهجرة، تبرز تساؤلات جادة وملحّة:
هل يستمر الشباب في الهروب من أوطانهم بحثًا عن المجهول؟
أم تحين لحظة الوعي الجماعي لحمل الوطن على الأكتاف والمشاركة الفعلية في بنائه وتنميته، من خلال استغلال الفرص المحلية المتاحة وتطوير القدرات الذاتية لخدمة المجتمع؟
بقلم: جمال اباه