بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، قاد المرحوم العقيد اعلي ولد محمد فال مرحلة انتقالية حملت معها بوادر الانفتاح والإصلاح، مُعلنة عهدًا جديدًا من الحرية السياسية والتعددية الإعلامية.
وقد شكلت آنذاك حكومة انتقالية ضمت كفاءات وطنية بارزة، من بينها سيدي محمد ولد بوبكر رئيسًا للوزراء، وأحمد ولد سيد أحمد على رأس الخارجية، وعبدالله ولد سليمان وزيرًا للمالية، ومحفوظ ولد بتاح وزيرًا للعدل.
هذه الحكومة وعدت الشعب بتسليم السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، وخطت خطوات فعلية نحو الانفتاح الإداري والدبلوماسي، كان من أبرزها إجراء تعيينات في السلك الدبلوماسي، شملت عددًا من الكفاءات الشابة من بينهم المدير الناشر لموقع "أصالة ميديا" جمال ولد أباه، الذي تم تعيينه مستشارًا ثانيًا في سفارة موريتانيا بالقاهرة، بقرار رسمي صادق عليه رئيس المجلس الانتقالي رئيس الجمهورية.
إلا أن هذا القرار اصطدم برفض وزير المالية حينها، عبد الله ولد سليمان، الذي برر رفضه بعدم توفر غلاف مالي كافٍ للتعيينات، وهو ما أدى إلى تجميد القرار وتعطيله لاحقًا من قبل حكومة الزين ولد زيدان، التي رفضت المضي في تنفيذ تلك التعيينات، واضعة بذلك حدًا لطموحات عدد من الشباب الحاملين للشهادات، ممن كانوا يأملون في مستقبل مهني كريم.
المفارقة التي لا تزال موضع تساؤل لدى كثيرين، أن نفس الوزير، وخلال نفس الفترة، مرّر قرار تعيين في وزارة المالية لصالح مجموعة موظفين، قال البعض إن من ضمنهم أقارب له، دون أن يُطرح حينها أي إشكال يتعلق بالغلاف المالي أو أولوية التوظيف، ما فتح الباب أمام اتهامات بازدواجية المعايير والتعامل الانتقائي مع ملفات التوظيف.
ورغم مرور ما يقارب عقدين من الزمن، ما زال أولئك الشباب يعانون من تداعيات تلك القرارات، فبعضهم استطاع التكيف وإيجاد سُبل بديلة، بينما واجه آخرون البطالة والتهميش، دون أي التفاتة رسمية من الجهات المعنية، ولا حتى تعويض عن الضرر المعنوي والمادي الذي تعرضوا له.
اليوم، ومع عودة عبد الله ولد سليمان إلى وزارة الاقتصاد، تعود الذاكرة إلى تلك اللحظة المفصلية التي لم تكلفه سوى "توقيع مرفوض"، لكنها كلفت آخرين 19 سنة من الانتظار والخذلان.
إن فتح هذا الملف بات ضرورة أخلاقية، لا تقل أهمية عن ملفات الإرث الإنساني، في ظل دعوات الحكومة الحالية لمحاربة الفساد ورفع الظلم ورد الاعتبار للمظلومين.