الحفاظ على اللغة الأم يعزز الإنتماء للوطن /نائب مقاطعة الركيز

لا مراء في أن لغة أية أمة هي وعاء هويتها الوطنية والثقافية والحضارية، فمن خلال لغتها الأم تصون الشعوب تاريخها وتراثها وقيمها، والحفاظ على اللغة الأم يعزز الانتماء للوطن والاعتزاز بالتراث والثوابت.

ولغتنا العربية زهو اللغات، وبالتمكن من دلالاتها وأساليبها نكتسب مهارة التفكير الواضح والتحليل العميق،  ولا يمكن لقدراتنا في أي لغة أجنبية مهما بلغت، أن تضاهي قدرتنا على التفكير والتعبير العميق بلغتنا الأم التي هي اللغة العربية المجيدة، حيث تغدو الأفكار والمشاعر أكثر وضوحًا وصدقًا عندما نعبر عنها بلغتنا الأم، وبها نتمكن من زمام القدرة على التفكير العميق والتحليل المتزن، ويكسبنا ذلك سرعة وسهولة في التعلم واستيعاب المفاهيم العميقة، بل أثبتت الدراسات أن الإنسان إنما يفكر من خلال لغته الأم، وأن الكلام بأي لغة أخرى إنما هو عملية ترجمة تحدث داخل الدماغ ويستحيل أن تكون دقيقة بمستوى دقة التعبير باللغة الأم، مهما تمكن المتحدث من اللغة الأجنبية التي يعبر بها.

ورغم هذا المعطى الجوهري ما زال البعض يقدم بعض اللغات ويهتم بها على حساب اللغة العربية، وهو ما يمثل تحديًا ثقافيًا وحضاريا وجوديا خطيرا، ويثير عدة قضايا اجتماعية وفكرية تتعلق بالهوية والتقدم وبالثقافة والتراث،

ففي عصرنا هذا عصر العولمة والتكنولوجيا يعتقد البعض أن تمييز بعض اللغات على حساب اللغة العربية هو مفتاح النجاح أو التقدم المهني، مما يخلق نوعًا من الهيمنة الثقافية الأجنبية، التي يعززها الحضور القوي للثقافة الغربية عبر المحيط والمؤثرات الطاغية كالإنترنت والسينما والموسيقى والأدب، وهذا ما سبب الانتشار الواسع  للغات أجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية، وهو أيضا ما يجعل الكثيرين يعتبرون ذلك معيارًا موضوعيا يُسهم في شعورهم بالتطور والتقدم جراء الانزلاق في ثقافة لا صلة لها بواقعهم وانتمائهم. 

كما أن ضعف الاعتزاز بالهوية اللغوية بسبب تأثيرات تاريخية أو اجتماعية، مثل الاستعمار أو العولمة الثقافية، في بعض المجتمعات قد يسبب نوعا من فقدان الثقة في اللغة الأم وقد يؤدي ذلك إلى قلة الاهتمام بتطوير تلقينها أو نقلها بين الأجيال وما ذلك إلا فقد للثقة في الذات.

إن من لا يحترم لغته الأم لا يحترم ذاته، فاللغة الأم من أهم مقومات وأركان الهوية، وإنه من المستحيل اليوم أن تجد قائدا غربيا يتحدث في المنابر العامة بغير لغته الأم، بل تصرف الدول المتقدمة ميزانيات ضخمة لتكريس حضور لغاتها في أي مكان من العالم، وذلك من أسباب تهافت الإعلام والمنبهرين حضاريا بالغرب  في دول العالم الثالث على تدارس لغة الغرب على حساب لغاتهم الوطنية، مما يسبب عبودية ثقافية وحضارية مقيتة.

ومعلوم أن العربية هي أقدم اللغات الكونية، فبها نطق أبو البشر نبي الله آدم عليه السلام فكان أول كلامه: الحمد لله.

وتزيد مفردات العربية على اثني عشر مليون كلمة دون تكرار بينما نتراوح مفردات جل اللغات الحية الأخرى بين مائة وخمسين ألف وستمائة ألف كلمة ما يدل على ثراء لغة الضاد لأنها ليست مجرد لغة بل هي إعجاز بلاغي إلهي، وتتميز من بين كل لغات العالم بأنها اللغة الوحيدة التي تستخدم صغة المثني ، فكلمة (أنتما ) مثلا ، لا توجد عند غير العرب.

ومن الضروري ختاما أن نعتز بلغتنا ونحترمها، فهي جزء لا يتجزأ من هويتنا وثقافتنا، ولأنها وسيلتنا الأمثل لاكتساب المعارف والمهارات وإنتاج الأفكار، بل إن سمعتنا في العالم كان وما زال قوامها نشر علوم اللغة العربية، وبها تميز أجدادنا وعلوا كل المنابر.

ويمكننا اليوم إحياء ذلك المجد وتعزيز المكانة إقليميا ودوليا بسلطان دبلوماسية اللغة العربية. وقد سبق وأن تربعنا على إمارة الشعر مؤكدين دلالة صفة "بلاد المليون شاعر"، ويمكن في الوقت نفسه تعلم اللغات الأجنبية كوسائل للتواصل وتبادل المعارف في العالم المعاصر اليوم، دون أن يكون ذلك على حساب اللغة العربية، بل ينبغي أن نبحث عن التوازن الأمثل لتحقيق النجاح الشخصي والجماعي، وحفظ الهوية الثقافية الوطنية.

نائب مقاطعة الركيز: آب عبد ربه